مقال رأي: المغرب في عمق افريقيا: رؤية ملكية في خطاب 20 غشت2016 (2)

مقال رأي: المغرب في عمق افريقيا: رؤية ملكية في خطاب 20 غشت2016 (2)

 

ان علاقات المغرب  مع محيطه الإفريقي، قد أخذ  الخيار الاستراتيجي في إطار رؤية متوسطة وبعيدة المدى تهدف إلى إعطاء نفس جديد لعلاقات التعاون جنوب – جنوب. هذه العلاقات التي يجب أن تكون مبنية على الفعالية والنجاعة والمصداقية حتى تتمكن الشعوب الإفريقية من الاستفادة من خيرات ثروات القارة ،من هنا يطمح المغرب إلى أن يصبح منصة إقليمية موجهة نحو إفريقيا  لإيمانه” بأن إفريقيا قادرة على النهوض بتنميتها، وعلى تغيير مصيرها بنفسها، بفضل ما لشعوبها من إرادة قوية، وطاقات بشرية وموارد طبيعية  ، وما للمملكة المغربية من محفزات و مزايا تأهلها للعب هذا الدور المحوري بناء على ابعاد سنحددها في اطار محاور:

المحور الاول: البعد الجغرافي و التاريخي للمغرب في علاقته بإفريقيا

فالفضاء الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والبشري المترامي الأطراف بأفريقيا،  لم يترك المغرب في وضعية حياد سلبي (1) بل دفعه بحكم الارتباط التاريخي و الجغرافي الى اعادة صياغة تواجهات استراتيجية بما تخدم ديبلوماسيته السياسية و الاقتصادية  باستحضار هذا الواقع والبناء على معطياته، لذلك، فإن زيارات الملك محمد السادس المكثفة للقارة الإفريقية، لاسيما دول غرب القارة إياها، إنما تنهل من عين هذه التوجهات الجديدة؛ التي تحاول القطع مع ممارسات البلدان الاستعمارية، لتضع أسسًا جديدة لتنمية متبادلة متكافئة بين بلدان الجنوب، تأخذ أشكال مشاريع اقتصادية عملية؛ لكن بنكهة إنسانية واجتماعية وثقافية متميزة(2).بعمق التاريخ و الجغرافية :

  • الموقع الجيو ستراتيجي للمغرب :

يشكل الموقع الجغرافي المتميز للمغرب عنصرا هاما، إذ يعتبر محور تلاقي أربعة أبعاد جيواستراتيجية موسعة ومرتبطة، بدء بالبعد المتوسطي وامتداداته الأوروبية شمالا، والبعد الإفريقي جنوبا، والبعد شرق أوسطي شرقا امتدادا إلى الخليج، وأخيرا البعد الأطلسي غربا، حيث تعتبر منطقة شمال إفريقيا محور تقاطع ثلاث قارات(افريقيا، أوروبا، وآسيا)، مما يزيد ها أهمية استراتيجية بالغة في ظل المفاهيم الاستراتيجية الجديدة الموسعة التي تقلصت فيها الحدود بين القارات، لاسيما في موقع شمال إفريقيا بالذات، المتمحورة بين عدة مجموعات اقليمية . كما يمكننا أن نتحدث عن الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة شمال إفريقيا بربطها البحر الأبيض المتوسط، باعتباره يمثل من وجهة نظر جيواستراتيجية مايلي:

  • يشكل بوابة إفريقيا بالنسبة لأوروبا
  • لموقع المتميز للمنطقة المتوسطية على امتداد ( 2100 )كلم من شريطها الساحلي نقاط مراقبة متلاحقة على الملاحة البحرية
  • يعتبر الشريط البحري لحوض المتوسط الذي تطل عليه دول شمال إفريقيا ممرا رئيسيا لنقل المحروقات، وهو بعد استراتيجي اقتصادي يعني الأوروبيين والأمريكيين على حد سواء، حيث أن 65% من واردات النفط والغاز الأوروبية تمر عبر البحر الأبيض المتوسط، و يعبر هذه المياه 15% من مشتريات المحروقات الأمريكية من الخليج وإفريقيا الشمالية(3)، فالمغرب يحتل موقع “الحارس” على مضيق جبل طارق، ويشكل ممرا أطلسيا هاما نحو حوض المتوسط، يساعده على التطور الاقتصادي و الانفتاح الحضاري و ملتقا لها في بعده الاطلنتيكي  كواجهة نحو القارة الامريكية اذ اكتشفت الولايات المتحدة الأمريكية الأهمية الجيو استراتيجية لمنطقة شمال إفريقيا، وما يمكن أن يقدمه لها وجودها في هذا الموقع من عناصر امتياز في مواجهة دول المحور ؛ فهو موقع يتحكم في المدخل الغربي للبحر الأبيض المتوسط، ويوجد على بعد 14كلم من أوروبا ساحة الحرب اثناء الحرب العالمية الثانية، تبين إلى أي حد شكلت منطقة شمال إفريقيا ذلك الموقع الإستراتيجي المميز الذي لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الاستغناء عنه في الحرب . ولقد كان الإنزال العسكري لقوات الحلفاء – والقوات الأمريكية على وجه التحديد – في مدينة الدار البيضاء المغربية البداية الرسمية لوجود عسكري أمريكي في المنطقة، إذ اتسع مداه بعد ذلك – وبخاصة في المغرب – لتصبح في حوزة الولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية ومطارات خضعت لسلطتها المباشرة، وقد استمرت هذه القواعد العسكرية حتى بعد نها̈ية الحرب العالمية الثانية، وحتى بعد حصول دول المنطقة على استقلالها السياسي، حيث  وجد ت أهم القواعد الأمريكية في مدن القنيطرة، بن سليمان، وبن جرير وغيرها من مدن ، كما حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على خمسة وعشرين مطارا في المنطقة 18 المغرب لصالح قواتها (4) ،و شهدت السياسة الأمريكية تجاه دول المغرب العربي تغيرات كبيرة منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين ، تمثلت في تزايد الاهتمام  بها، وتكثيف الصلات السياسية والاقتصادية بدولها، وذلك في ضوء بروز عدة عوامل اقليمية ودولية أهمها:
  • الارتكاز على منطقة شمال إفريقيا كنقطة اتصال استراتيجية طبيعية بمناطق : الشرق الأوسط، الخليج، إفريقيا جنوب الصحراء، وصولا إلى المحيط الأطلسي. وهو حزام استراتيجي مترابط للمصالح الأمريكية عبر ثلاث قارات رئيسية: أورويا، إفريقيا ، وآسيا.
  • ضمان استقرار المنطقة، ومن ثم تفادي أي توتر إقليمي يعيق المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية فيها، أو يرغم الولايات المتحدة الأمريكية على التورط في وضع يصعب التحكم فيه، أو التخلص منه، ويعتبر حسن إدارة التوازن الإقليمي بين الجزائر والمغرب من الرهانات الأساسية للاستراتيجية الأمريكية في ضمان استقرار المنطقة . وقد أعاد الأمريكيون رسم منظورهم الجيواستراتيجي ازاء منطقة شمال إفريقيا ،في التقرير السنوي الذي قدمه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عام2000 للكونغرس ، حول “استراتيجية الأمن الأمريكية للقرن الواحد والعشرين”، حيث أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لها مصلحة في استقرار ورفاهية منطقة شمال إفريقيا، التي تشهد حاليا تحولات كبرى، مما استدعى تقوية العلاقات معها، لحثها على القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية (5)

و يمكن للمغرب من خلال دوره الاستراتيجي أن يؤثر بشكل أو بآخر على التعاون الاقتصادي المهيكل للعلاقات بين القارتين رغم أنه جسد دوره بكل مسؤولية على مر التاريخ لكن الطفرة النوعية في هذا الصدد بدأت منذ ما يزيد عن العقد من الزمن، وذلك من خلال الزيارات الملكية، التي همت ما يفوق العشرين دولة الشيء الذي يعطي إشارات سياسية واضحة وقوية على أن المغرب دائما وأبدا يراهن على دوره الإستراتيجي في مد جسور التواصل مع باقي الدول الإفريقية.(6)

يتبع –  ب – البعد التاريخي الحضاري للمغرب في عمق افريقيا :

ذ.ربيع الطاهري

ماسترالقانون العام تدبير الشأن العام المحلي

الكاتب المحلي لحزب الاتحاد الدستوري -القصر الكبير-

اترك تعليقاً

Share via